سلطة النقد: لا تعليمات بخفض الإيداع والبنوك تعاني من التخزين
الاقتصادي- منذ بداية شهر أيار الجاري، بدأت البنوك العاملة في فلسطين بتطبيق قيود جديدة على سقف الإيداع النقدي بعملة الشيكل للأفراد، إذ جرى خفض السقف إلى ما بين 5 و7 آلاف شيكل شهريا، بعد أن كانت بعض البنوك تسمح بإيداعات تصل إلى 20 ألف شيكل يوميا.
وفق ما أفادت به مصادر مصرفية لموقع "الاقتصادي"، فإن هذه الإجراءات جاءت نتيجة تفاقم أزمة فائض الشيكل، حيث لم تعد البنوك قادرة على استقبال المزيد من العملة المتراكمة في خزائنها، والتي بلغت قيمتها مليارات الشواكل، في ظل رفض الجانب الإسرائيلي استقبال هذه الأموال عبر البنوك الإسرائيلية.
من جانبها، نفت سلطة النقد الفلسطينية إصدار أي تعليمات تتعلق بتخفيض سقوف الإيداع النقدي بالشيكل، وأوضحت أنها تراقب حجم التراكم في السيولة النقدية وتعمل على معالجة الأزمة من خلال تكثيف الاتصالات مع الجهات الإسرائيلية والدولية، في محاولة لفتح المجال أمام شحن الفائض المتراكم من الشيكل إلى الخارج.
وأكدت سلطة النقد في ردها لـ "الاقتصادي" أن أزمة فائض الشيكل ما تزال تمثل تحديا حقيقيا للقطاع المصرفي، نتيجة فرض سقوف من الجانب الإسرائيلي على عمليات الشحن من البنوك الفلسطينية إلى نظيرتها الإسرائيلية، وهو ما يجعل مواصلة تخزين العملة غير ممكن مع محدودية القدرة الاستيعابية لخزائن البنوك.
ويبلغ متوسط فائض عملة الشيكل سنويا قرابة 20 مليار شيكل (5.47 مليارات دولار)، تتكدس في خزائن البنوك، وتتحمل عليها كلفة نقل وتخزين وتأمين.
عودة السوق السوداء
تطبيق هذه القيود أدى إلى عودة السوق السوداء في أسعار صرف العملات الأجنبية، إذ لم تعد أسعار الشاشة (السعر الرسمي المعلن من سلطة النقد) هي المرجع الفعلي في السوق.
وأكد صرّافون تحدثوا لـ"الاقتصادي" أن هناك طلبا مرتفعا على الدولار والدينار، ما تسبب بفجوة واضحة بين السعر الرسمي وسعر السوق.
وأشار أحدهم إلى أن "المشهد يُذكّر بما حدث العام الماضي عندما سادت شائعات عن وقف التعامل بورقة 200 شيكل، ووقتها ارتفع الطلب بشكل كبير على الدولار، إلا أن الوضع اليوم مختلف، فالأزمة مرتبطة مباشرة بالقيود المفروضة على إيداع الشيكل، مقابل مرونة البنوك في استقبال العملات الأخرى".
الفجوة في أسعار الصرف بين السوق الرسمية والسوق السوداء اتسعت مؤخرا. فمثلا، في نشرة يوم الخميس الماضي الصادرة عن سلطة النقد الفلسطينية، بلغ سعر صرف الدولار الرسمي 3.55 شيكل، بينما لا يمكن شراؤه من محال الصرافة بأقل من 3.62 شيكل.
وفق شهادات من صرّافين، فإن البنوك لا تفرض نفس القيود على إيداع الدينار والدولار، بل تقبلها بسهولة مع طلب توضيحات اعتيادية عن مصدر الأموال.
في المقابل، تُقيد عمليات السحب من الحسابات الدولارية، ويُطلب من العميل تنفيذ عمليات تحويل إلكتروني أو إصدار شيك بنكي بدلا من السحب النقدي.
كما أشار عدد من المتعاملين إلى أنهم لا يستطيعون تحويل أرصدتهم من الشيكل إلى الدولار وسحبها نقدا، إذ تُبلغهم البنوك بعدم توفر الدولار الكافي.
في هذا السياق، أقرت سلطة النقد بوجود تقلبات في أسعار الصرف ناتجة عن نقص العملات الأجنبية وزيادة المخاوف من تغييرات مفترضة في فئات العملة.
وأكدت لـ "الاقتصادي" في الوقت نفسه أنها تعمل على ضخ كميات إضافية من العملات الأجنبية في السوق، ومعاقبة الجهات التي تتجاوز هوامش الأسعار الرسمية.
وأوضحت أن التعليمات الموجهة لشركات الصرافة تنص على ضرورة الالتزام بفارق لا يتجاوز 200 نقطة أساس بين سعر البيع وسعر الشراء، ومنع أي صفقة تتجاوز قيمتها 20 ألف دولار أو ما يعادلها، كما دعت الجمهور إلى الإبلاغ عن أي تجاوزات.
هل يعود الناس لحفظ أموالهم "تحت البلاطة"؟
ومع هذه القيود، يخشى بعض المواطنين من العودة إلى حفظ أموالهم خارج البنوك أو كما يطلق عليه "تحت البلاطة"، بعيدا عن الجهاز المصرفي.
إلا أن سلطة النقد تحذر من هذا الخيار، معتبرة أن الاحتفاظ بالنقد خارج البنوك يعرّض الأموال لمخاطر، ويحرم الاقتصاد من إعادة استثمارها، مؤكدة أن القطاع المصرفي الفلسطيني آمن، وأن الودائع فيه مضمونة.
وأضافت أن البنوك لن تتوانى عن قبول الإيداعات بمجرد التمكن من شحن النقد المتراكم في خزناتها، مشيرة إلى أن معالجة هذه الأزمة ستنعكس إيجابًا على القدرة المصرفية في تلبية احتياجات العملاء.
وتعكس هذه التطورات المصرفية حجم الضغوط التي تعيشها السوق الفلسطينية، والتي باتت تتأثر بأزمات فائض السيولة النقدية والتوجهات المصرفية لتقليل التعامل بالكاش، ما أعاد إلى الواجهة مظاهر غير رسمية مثل السوق السوداء، ورفع منسوب التحديات أمام المتعاملين العاديين والقطاع التجاري على حد سواء.