هذا الفائض "الخامل" يفرض أعباء مالية على البنوك تتمثل في تكاليف التخزين، والتأمين، وغياب العائد الاستثماري
الاقتصادي- تواجه البنوك الفلسطينية أزمة متفاقمة تتمثل في تكدس عملة الشيكل داخل خزائنها، وسط تعقيدات سياسية ومصرفية تُعطل قدرتها على ترحيل هذه الأموال إلى النظام المالي الإسرائيلي، وتحرم الاقتصاد الفلسطيني من الاستفادة منها.
فائض الشيكل المتراكم في السوق الفلسطينية هو حاصل الفرق بين ما يدخل من العملة الإسرائيلية وما يخرج منها. وتشير التقديرات إلى أن نحو 22 مليار شيكل (ما يعادل 6 مليارات دولار) تدخل السوق سنوياً دون أن تجد طريقها للخروج، وذلك عبر أربع قنوات رئيسية: دخل العمال الفلسطينيين في الداخل نحو 18 مليار شيكل سنوياً (تراجع هذا الرقم منذ بدء الحرب). وأموال المقاصة بحوالي 10 مليارات شيكل. وإنفاق سكان الداخل في الضفة ويقدر بـ5 مليارات شيكل. إضافة إلى الصادرات الفلسطينية إلى إسرائيل بقيمة تقارب 4.8 مليار شيكل.
في المقابل، تخرج من السوق الفلسطينية نحو 16 مليار شيكل فقط، وهو ما يعمّق الفجوة ويزيد الفائض سنوياً.
قيود قانونية ومصرفية إسرائيلية تعرقل الحل
رغم أن بروتوكول باريس الاقتصادي يُتيح للسلطة الفلسطينية ترحيل فائض الشيكل إلى بنك إسرائيل لتحويله إلى عملات أجنبية، فإن هذا الإجراء يواجه قيودا صارمة. إذ تسمح المصارف الإسرائيلية فقط بترحيل 18 مليار شيكل سنوياً، ما يترك فائضاً يقارب 4 مليارات شيكل عالقة في المصارف الفلسطينية.
هذا الفائض "الخامل" يفرض أعباء مالية على البنوك تتمثل في تكاليف التخزين، والتأمين، وغياب العائد الاستثماري، في وقت بلغت فيه نسبة السيولة بالشيكل 84% من إجمالي النقد في نهاية 2023.
في بعض الأحيان، تلجأ سلطة النقد الفلسطينية إلى ترتيبات خاصة مع بنك إسرائيل لترحيل شحنات إضافية من الشيكل. ففي عام 2022، تم ترحيل 25.5 مليار شيكل، منها 7.5 مليار شيكل كإجراء استثنائي.
غير أن هذه الحلول المؤقتة تظل رهينة لتقلبات المشهد السياسي، كما أن المصارف الإسرائيلية -خاصة "هبوعليم" و"ديسكونت"- لا تقبل التعامل مع نظيراتها الفلسطينية إلا بضمانات حكومية ضد الملاحقة القانونية بتهم "تمويل الإرهاب"، وفق تقرير نشره مركز رؤية للتنمية السياسية.
ولا تقتصر القيود الإسرائيلية لا تقتصر على التعاملات المصرفية فقط، بل تشمل كذلك تشريعات أحادية الجانب تهدف إلى تقليص استخدام المدفوعات النقدية، كما في قانون "لوكر" الذي فرض سقوفاً على المعاملات النقدية. هذا القانون، الذي يتماشى مع تطور الاقتصاد الإسرائيلي نحو الرقمنة، لا يراعي خصوصية السوق الفلسطينية التي تعتمد بشكل رئيسي على المعاملات النقدية نتيجة ضعف البنية التحتية المالية، وهو ما فاقم تعقيد النشاط الاقتصادي اليومي وزاد من الأعباء على الأفراد والشركات.
إلى جانب كل ذلك، فإن تزايد الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية فاقمت من أزمة تكدس الشيكل، حيث يتم تداول مبالغ ضخمة خارج النظام المصرفي الرسمي، خصوصاً في المعاملات التجارية في مناطق "ج" بين الفلسطينيين والمستوطنين. وتهريب البضائع بين الضفة والداخل المحتل. وعمل الفلسطينيين بدون تصاريح. جميع هذه الأنشطة تُجرى نقدا وبالشيكل، ما يعني ضخ المزيد من هذه العملة في السوق دون تنظيم أو مراقبة.
في المحصلة، فإن تكدس الشيكل في المصارف الفلسطينية هو أحد الأعراض الاقتصادية لعلاقة غير متكافئة تحكمها اتفاقات مجحفة وظروف سياسية غير مستقرة. ومع استمرار التعقيدات في علاقات المراسلة البنكية، وغياب حلول دائمة لترحيل فائض الشيكل، تبقى الأموال الفلسطينية "رهينة" بلا فائدة، في وقت تشتد فيه حاجة الاقتصاد الفلسطيني إلى كل فرصة لتعزيز قدراته النقدية والاستثمارية.