خسائر الاقتصاد الفلسطيني في 2024 هي الأكبر منذ ثلاثة عقود || التعافي الاقتصادي رهن بالإعمار ورفع القيود || السلطة تعتمد على الاقتراض والمتأخرات لتغطية العجز المالي || الدخل القومي للفلسطينيين يتراجع 11% وتصنيف الدخل ينخفض || آفاق 2025: نمو هزيل واستمرار الفقر والبطالة
متابعة الاقتصادي- كشف البنك الدولي في تقريره نصف السنوي لمؤشر الفقر الكلي ومؤشرات الاقتصاد للأراضي الفلسطينية، أن الاقتصاد الفلسطيني شهد خلال عام 2024 أسوأ انكماش له منذ أكثر من ثلاثين عاما، مدفوعا بالحرب المتواصلة على قطاع غزة، وتداعياتها العميقة على الضفة الغربية، في ظل تراجع حاد في الإيرادات العامة، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة إلى مستويات غير مسبوقة.
انكماش اقتصادي حاد وانهيار في غزة
قدّر البنك الدولي في تقريره الذي تابعه "الاقتصادي"، أن الناتج المحلي الإجمالي للأراضي الفلسطينية انخفض بنسبة 27% خلال عام 2024. وكان قطاع غزة الأكثر تضررا، حيث انهار النشاط الاقتصادي بنسبة 83% بسبب توقف شبه كامل للإنتاج والخدمات، باستثناء بعض المرافق العامة.
وتُقدّر خسائر رأس المال الثابت في القطاع بحوالي 29.9 مليار دولار.
أما الضفة الغربية، فقد تضررت بدورها نتيجة القيود الإسرائيلية المشددة على الحركة، وخسارة آلاف العمال وظائفهم في إسرائيل والمستوطنات، إلى جانب العملية العسكرية الإسرائيلية في شمال الضفة، ما أدى إلى انكماش الاقتصاد هناك بنسبة 17%.
تضخم قياسي في غزة واستقرار نسبي في الضفة
سجّلت غزة خلال 2024 تضخما بلغ 238% على أساس سنوي، مدفوعا بارتفاع أسعار المواد الغذائية والنقل.
وفي أعقاب وقف إطلاق النار الذي أُعلن في كانون الثاني/يناير 2025، انخفض التضخم بشكل مؤقت بنسبة 33% في شباط/فبراير، لكنه عاد للارتفاع مع تجدد الحرب في آذار/مارس، في ظل أزمة عرض جديدة.
وفي المقابل، استقر معدل التضخم في الضفة الغربية عند 2.5% خلال العام ذاته، نتيجة لاستمرار النشاط التجاري بدرجة محدودة وضعف الطلب المحلي.
أزمة مالية خانقة للسلطة الفلسطينية
ازدادت أزمة السلطة الفلسطينية المالية سوءًا في 2024، نتيجة ارتفاع الخصومات الإسرائيلية من أموال المقاصة، وانكماش الإيرادات المحلية بسبب الركود الاقتصادي، وهبوط الدعم المالي الخارجي إلى مستويات دون الاحتياج.
هذا الوضع دفع السلطة إلى تقليص رواتب الموظفين العموميين إلى 60-70% من قيمتها منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 (الرواتب المنقوصة بدأت منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2021) كما ارتفع العجز المالي إلى 9.5% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ3.8% في 2023، وجرى تمويله عبر الاقتراض المحلي وتراكم المتأخرات لصالح الموظفين والقطاع الخاص وصندوق التقاعد.
بطالة واسعة النطاق وفقر متصاعد
انهار سوق العمل الفلسطيني مع تصاعد وتيرة الصراع. وبلغ معدل البطالة في غزة 79% بحلول تشرين الأول/أكتوبر 2024، بينما وصل في الضفة إلى 29% بنهاية العام، بفعل فقدان الوظائف المرتبطة بإسرائيل والركود في السوق المحلي.
وفي ظل هذا التدهور، ارتفع معدل الفقر الوطني (حسب خط الفقر الدولي البالغ 6.85 دولار يوميًا وفق تعادل القوة الشرائية 2017) من 22.1% في 2023 إلى 37.7% بحلول نهاية 2024، وسط تقديرات بأن غالبية سكان غزة يعيشون تحت خط الفقر.
أدى التدهور الاقتصادي إلى خفض تصنيف الأراضي الفلسطينية من فئة الدخل المتوسط الأعلى إلى الدخل المتوسط الأدنى، بعد انخفاض نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي بنسبة 11% في 2023، مع بلوغ دخل الفرد في غزة أقل من 200 دولار سنويًا، أي نحو 5% فقط من مستوى الضفة الغربية.
توقعات 2025: نمو هش وفقر مستمر
يتوقع البنك الدولي أن يسجل الاقتصاد الفلسطيني نموا طفيفا بنسبة 1.6% فقط في 2025، مشيرا إلى أن القيود على الحركة، وغياب الإعمار، وخسائر الأصول الثابتة في غزة ستحدّ من أي تحسن ملحوظ.
وفي حال البدء بعمليات الإعمار عام 2026، قد يتسارع النمو تدريجيا، لكن الناتج المحلي الإجمالي لن يعود إلى مستوياته ما قبل الحرب قريبا، في ظل تقديرات بأن تكاليف التعافي وإعادة الإعمار ستتجاوز 53.2 مليار دولار.
كما يُتوقع أن يستمر معدل الفقر في الارتفاع إلى أكثر من 38% بنهاية عام 2025، وهو أعلى معدل يُسجّل منذ أكثر من 20 عاما.
إيرادات المقاصة وإصلاحات السلطة
رغم الضبابية، يفترض البنك الدولي عودة تحويلات أموال المقاصة إلى مستويات ما قبل الحرب بحلول أواخر 2026، إلى جانب تحسن تدريجي في التحصيل الضريبي المحلي، وهو ما قد يُساهم في تقليص العجز المالي تدريجيا، شريطة استمرار جهود الإصلاح المالي من قبل السلطة الفلسطينية.
المخاطر والتحديات: الحوكمة في غزة والتصعيد في الضفة
حذر التقرير من أن الاستقرار الاقتصادي في الأراضي الفلسطينية يواجه مخاطر عالية، خصوصا في ظل التوترات الإقليمية والدولية، والتأخر في التوصل إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار، أو غياب آلية واضحة للحكم في غزة بعد الحرب.
كما أشار إلى أن التصعيد في الضفة الغربية، وما قد يرافقه من تغييرات جغرافية أو تهديدات أمنية، سيؤثر سلبا على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي ومستويات الفقر.
أرقام ومؤشرات رئيسية (2024)
الناتج المحلي الإجمالي: 13.7 مليار دولار
نصيب الفرد من الناتج المحلي: 2,593 دولار
عدد السكان: 5.3 مليون نسمة
معدل الفقر (6.85 دولار/يوم): 37.7%
معدل البطالة: 79% في غزة، 29% في الضفة
العجز المالي: 9.5% من الناتج المحلي
معدل التضخم: 238% في غزة، 2.5% في الضفة
الديون العامة: ارتفعت إلى 86.3% من الناتج المحلي