طارق الحاج: تحميل كل مشاكلنا على المقاصة فيه تبسيط وتجهيل للمواطن
الاقتصادي- قال رئيس الوزراء محمد مصطفى إن الحكومة الفلسطينية قد تتجه نحو اتخاذ إجراءات "غير اعتيادية" في ظل استمرار احتجاز إسرائيل لأموال المقاصة، مشيرا إلى أن الأوضاع الحالية لم تعد تحتمل المزيد من الانتظار.
وأضاف مصطفى، خلال افتتاح جلسة مجلس الوزراء يوم الثلاثاء، أن هذه الرسالة موجهة إلى الجميع، دون أن يفصح عن طبيعة الخطوات المحتملة، مكتفيا بالتأكيد على أن الحكومة لن تبقى مكتوفة الأيدي أمام الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، وعلى رأسها أزمة الرواتب.
ويواجه الموظفون العموميون أزمة متواصلة في صرف رواتبهم، حيث لم يتقاضوا رواتب شهري أيار/مايو وحزيران/يونيو الماضيين. وكانت آخر دفعة صرفت لهم هي راتب شهر نيسان/أبريل، وُزعت على دفعتين: الأولى قبيل عيد الأضحى، والثانية مطلع الشهر الجاري، وبلغت مجتمعة نسبة 70% من الراتب.
وفي تعقيبه على حديث رئيس الوزراء، قال الخبير الاقتصادي د. طارق الحاج في مقابلة مع "الاقتصادي"، إنه من الصعب التنبؤ بالإجراءات التي قد تلجأ إليها الحكومة لمعالجة الأزمة الراهنة، بسبب عدم وضوح البيانات المالية المتعلقة بحجم الإيرادات الفلسطينية المتاحة.
وأوضح الحاج أن الحكومة تعتمد بشكل رئيسي على ثلاثة مصادر للتمويل: أموال المقاصة التي تحتجزها إسرائيل وتستخدمها كورقة ضغط سياسية، والمنح والمساعدات الخارجية، إضافة إلى الإيرادات المحلية، والتي من المحتمل أن تفكر الحكومة في تعظيمها عبر رفع الضرائب أو الرسوم أو توسيع الجباية.
وأضاف: "قد تكون هناك مصادر مالية أو موارد جديدة تم اكتشافها وسيتم الإعلان عنها لاحقًا، وهذا سيكون أمرًا إيجابيًا، لكن في حال غياب ذلك، فالسيناريو الأكثر ترجيحًا هو التوجه نحو تشديد الجباية محليا".
وبشأن المشهد الاقتصادي العام، اعتبر الحاج أن تطورات العدوان على قطاع غزة تُملي إلى حد كبير الواقع الاقتصادي في فلسطين، حيث قال: "الوضع الاقتصادي في غزة حاليا دون الصفر، وهذا يُشكّل عبئا إضافيا على أي خطط تنموية في الضفة الغربية". وأضاف أن الوضع الاقتصادي في الضفة "لا يقل سوءًا عن دول المنطقة عموما"، في ظل الغموض الذي يحيط بالمشهد الإقليمي وإعادة تشكيل خارطة الشرق الأوسط اقتصاديا وسياسيا.
وتوقع الحاج أن لا يشهد المواطن الفلسطيني أي تحسن اقتصادي ملموس حتى نهاية العام الجاري على الأقل، في ظل غياب مؤشرات حقيقية على انفراج سياسي أو مالي.
وفي ما يتعلق بأموال المقاصة، قال الحاج إن اعتبارها المورد الوحيد في الموازنة "يُعد تبسيطًا مخلًا"، مشيرًا إلى أنه بالإمكان صرف نسب جيدة من الرواتب، قد تصل إلى 70%، من خلال ترشيد الإنفاق وإعادة النظر في استغلال الموارد السيادية.
وذكر من بين هذه الموارد صندوق الاستثمار الفلسطيني الذي يمتلك أذرعا اقتصادية عديدة، دون توفر بيانات مالية واضحة حول أدائه، إضافة إلى قطاعات تعتبر من الأملاك العامة مثل الاتصالات، وبورصة فلسطين، وشركات الهاتف المحمول، والكهرباء، والمياه، التي تحوّلت بمعظمها إلى القطاع الخاص.
كما أشار إلى إيرادات كبيرة تأتي من وزارات سيادية، من بينها سلطة الأراضي التي تمتلك 13 مكتبا في الضفة الغربية، حيث يُقدر الدخل اليومي للمكتب الواحد بنحو 100 ألف دينار أردني.
وفي قطاع المحروقات، قال الحاج إن تكلفة اللتر من النفط تبلغ نحو 1.20 شيكل، بينما يُباع في السوق المحلي بهامش ربح يتجاوز 4 شواكل للتر الواحد. ولفت أيضا إلى رسوم المغادرة عبر معبر الكرامة التي تبلغ حاليا 173 شيكلًا، مع اتفاقية تتيح للجانب الفلسطيني دفع 10% فقط من هذه الرسوم لإسرائيل عند تجاوز عدد المسافرين 750 شخصا يوميا.
أما فيما يخص قطاع التبغ، فبيّن أن تكلفة العلبة الواحدة لا تتعدى 5 شواكل، فيما تُباع للمستهلك بأسعار تتراوح بين 25-29 شيكلا.
وفي ختام حديثه، أكد الحاج أن الاتحاد الأوروبي اشترط الاستمرار في دعم السلطة الفلسطينية بتحقيق الحوكمة والشفافية في إدارة المال العام، مشددًا على أن تحميل أزمة الرواتب والموازنة فقط لأموال المقاصة هو "تبسيط ساذج وتضليل للرأي العام"، بحسب تعبيره.
وختم بالقول: "ستأتي لحظة نصطدم فيها بحجم الإيرادات الفعلية التي تدخل إلى الخزينة، وعندها سيتضح أن المشكلة ليست فقط في المقاصة، بل في كيفية إدارة هذه الإيرادات".